يوشع بن نون: فتى موسى والنبي الذي قاد بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة

 

يوشع بن نون: فتى موسى والنبي الذي قاد بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة



المقدمة

في أعماق التاريخ الديني، يبرز اسم يوشع بن نون كواحد من أعظم قادة بني إسرائيل، وكنموذج فريد للطاعة، والتضحية، والإيمان. كان الفتى الذي رافق النبي موسى عليه السلام في رحلته للقاء الخضر، ثم أصبح لاحقًا نبيًا وقائدًا قاد شعبه نحو تحقيق وعد الله بدخول الأرض المقدسة.


الفتى الذي صاحب موسى

ورد في تفسير الآيات أن يوشع بن نون هو الفتى الذي كان مرافقًا لموسى في لقائه مع الخضر. وقد تميز منذ شبابه بالإيمان، والطاعة، والصدق، مما أهّله ليكون من أوائل المؤمنين الذين نصحوا قومهم بدخول الأرض المقدسة التي وعدهم الله بها.

قال تعالى:

"قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون. قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما: ادخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"
— [المائدة: 22-23]

ويُجمع المفسرون أن أحد هذين الرجلين هو يوشع بن نون.


قيادة يوشع لبني إسرائيل بعد التيه



بعد وفاة موسى عليه السلام، أوحي إلى يوشع بن نون، وأُمر بقيادة بني إسرائيل خارج التيه، الذي دام أربعين عامًا. وكان الجيل الذي خرج معه جيلًا جديدًا، لم يشهد الذل والاستعباد في مصر، بل نشأ على التوحيد، والإيمان، والعبادة.

عبور نهر الأردن وحصار أريحا

قاد يوشع قومه إلى نهر الأردن، وعبر بهم إلى مدينة أريحا، التي كانت من أقوى مدن فلسطين، ذات الأسوار العالية والحصون الشديدة. فقام بحصارها لمدة ستة أشهر.


معجزة حبس الشمس

لأن بني إسرائيل كانوا لا يقاتلون في يوم السبت، اقترب غروب شمس يوم الجمعة، وخشي يوشع أن يدخل السبت دون أن يتم الفتح.
فخاطب الشمس قائلاً:

"أنت مأمورة، وأنا مأمور"
ثم دعا الله أن يحبس الشمس، فاستجاب له، وتم الفتح قبل غروب الشمس.


حادثة الغنائم والغلول



بعد النصر، جمع يوشع الغنائم وأراد تقديمها، فجاءت نار من السماء -كما كانت العادة- لتأكلها، لكنها لم تأكل.
فأدرك يوشع أن هناك خيانة (غلولًا). فطلب من كل قبيلة مبايعته، فالتصقت يد رجل بيده، ثم حدد الأفراد الذين أخذوا جزءًا من الغنيمة: رأس بقرة من الذهب.
وبعد إعادتها، جاءت النار فأكلتها، مما دلّ على قبول الله للغنائم بعد تطهيرها من الخيانة.

خصوصية أمة محمد ﷺ

قال النبي ﷺ:

"أُحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي"
فكانت هذه من خصائص أمة الإسلام، رخصة ورحمة وتشريفًا.


الأمر بدخول المدينة سجّداً وعقوبة العصيان



أمرهم الله بدخول المدينة وهم سُجَّداً، وأن يقولوا:

"حِطَّةٌ"
أي: حُط عنا خطايانا.
لكنهم دخلوا متكبرين، وقالوا غير ما أُمروا به، فعاقبهم الله بطاعون أهلك منهم سبعين ألفًا في ساعة واحدة.


انحدار بني إسرائيل بعد النصر

لم تكن تلك أولى خياناتهم، بل استمرت سلسلة الجرائم:

  • كذّبوا الأنبياء

  • قتلوا بعضهم

  • حرّفوا التوراة

  • ادّعوا أنهم شعب الله المختار

  • استباحوا كل شيء باسم هذا الاعتقاد

فقدان تابوت العهد

كان لديهم تابوت يحتوي على بقايا ألواح موسى، وبركة وهداية، لكنهم أضاعوه بسبب ظلمهم وكبريائهم، ففقدوا السكينة والنصر.


النهاية: انتظار نبي جديد



تدهورت أحوال بني إسرائيل، وساءت معيشتهم بسبب ذنوبهم.
وظلّوا في انتظار نبي جديد، ينتشلهم من الضلال والتكبر، بعد أن رفضوا الطاعة، ونبذوا شريعة الله.


خلاصة المقال

إن قصة يوشع بن نون ليست فقط سردًا لأحداث تاريخية، بل هي تذكير بعواقب العصيان، وقيمة الطاعة والقيادة الصالحة، وكيف أن نصر الله لا يتحقق إلا بالإيمان، والتقوى، والصدق في التوكل عليه.

تعليقات