سورة المائدة: وثيقة التشريع والوفاء في الإسلام

 

سورة المائدة: وثيقة التشريع والوفاء في الإسلام



مقدمة

سورة المائدة هي من السور المدنية التي نزلت في أواخر حياة النبي ﷺ، وتعد من السور التي حملت التشريعات النهائية للأمة 

الإسلامية، 

حيث أكدت على الوفاء بالعقود، العدل، احترام التشريعات الإلهية، وضبط العلاقات مع الآخرين، سواء كانوا من المسلمين أو من أهل 

الكتاب. وهي السورة الخامسة في ترتيب المصحف الشريف، وتضم 120 آية مليئة بالأحكام والمواعظ التي ترسم معالم الحياة 

الإسلامية على المستوى الفردي والمجتمعي.


أهمية سورة المائدة ومقاصدها

سورة المائدة من السور التي جاءت بمثابة الدستور النهائي للأحكام الشرعية، فقد نزلت بعد سنوات طويلة من التشريع، وبالتالي 

تضمنت أوامر ونواهٍ لا تقبل النسخ أو التعديل. ويؤكد ذلك ما ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال:

"سورة المائدة من آخر القرآن نزولًا، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها" (رواه الحاكم وصححه الألباني).

يشير هذا الحديث إلى أن أحكامها ثابتة ونهائية، وهو ما يجعلها محورًا أساسيًا لفهم الشريعة الإسلامية في صورتها المكتملة.


أبرز الموضوعات التي تناولتها السورة

. الوفاء بالعقود والمواثيق

افتتحت السورة بأمر واضح:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة: 1).

ويؤكد هذا الأمر على أهمية الالتزام بالاتفاقيات والعهود، سواء كانت بين العبد وربه، أو بين الناس بعضهم البعض. وقد قال النبي ﷺ:

"المسلمون على شروطهم، إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا" (رواه الترمذي وأبو داود).

ويعني ذلك أن الالتزام بالعهود أصل من أصول الإسلام، ولا يجوز نقضها إلا إذا خالفت الشرع.




2. أحكام الحلال والحرام في الأطعمة

تضمنت السورة تفصيلًا لأحكام الذبائح، وما يجوز أكله وما يحرم، فقال تعالى:

"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" (المائدة: 3).

وجاء في الحديث عن النبي ﷺ:

"ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" (رواه أحمد وأبو داود).

كما أباح الله للمسلمين طعام أهل الكتاب والزواج منهم، وهو تشريع يعكس مرونة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين، كما قال تعالى:

"وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ" (المائدة: 5).


3. إكمال الدين وإتمام النعمة

في واحدة من أعظم آيات القرآن، أعلن الله في هذه السورة عن اكتمال التشريع الإسلامي، فقال:

"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة: 3).

هذه الآية نزلت على النبي ﷺ في يوم عرفة خلال حجة الوداع، واعتبرها الصحابة دليلًا على قرب انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى، 

حيث قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-:

"لما نزلت هذه الآية بكى عمر، فقالوا له: ما يبكيك؟ قال: ليس بعد الكمال إلا النقص" (رواه البخاري).


4. العدل في الحكم وعدم التحيز

أمرت السورة بالعدل المطلق حتى مع الأعداء، فقال الله تعالى:

"وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة: 8).

وجاء في الحديث أن النبي ﷺ قال:

"إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا" (رواه مسلم).


5. قصة ابني آدم وتحريم القتل

جاءت في السورة قصة ابني آدم (هابيل وقابيل)، التي تلقي الضوء على خطورة الحسد وسفك الدماء، حيث قال الله تعالى:

"مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفْسًۭا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعًۭا" (المائدة: 32).

وقد قال النبي ﷺ:

"لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا" (رواه البخاري).


الخاتمة: رسالة السورة وأثرها في حياة المسلمين

سورة المائدة هي من أهم السور التشريعية في الإسلام، حيث وضعت القواعد النهائية للأحكام، وركزت على العدل، الوفاء بالعهود، 

احترام الأحكام الإلهية، وضبط العلاقات مع غير المسلمين.

كما أكدت أن الدين قد اكتمل، مما يجعلها بمثابة وثيقة دستورية إلهية شاملة، تحدد معالم الحياة الإسلامية في أبعادها المختلفة.

لذلك، فإن تدبر هذه السورة والعمل بأحكامها يعد جزءًا أساسيًا من فهم الإسلام، والالتزام بتعاليمه على مستوى الفرد والمجتمع.

تعليقات