هارون الرشيد الخليفة المفترى عليه "


تَشْوِيهُ صُمعَةِ هَارُونَ الرَّشِيدِ






وَصَفَ الكَثِيرُ مِنَ المُؤَرِّخِينَ هَارُونَ الرَّشِيدِ بِأَنَّهُ مَلِكٌ يَعْشَقُ النِّسَاءَ وَالجَوَارِيَ، وَيَمِيلُ إِلَى الخَمْرِ وَالغِنَاءِ وَالرَّقْصِ. هكَذَا صَوَّرَهُ 

الأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ "الأغَانِي"، وغَيْرُهُ مِمَّنْ كَتَبُوا حَوْلَ لَيَالِي الرَّشِيدِ وَسَهَرَاتِهِ. وَنَجَحَتْ هَذِهِ المُؤَامَرَةُ فِي تَشْوِيهِ صُورَتِهِ لَدَى المُسْلِمِينَ.

نسَبُهُ 

أَبُو جَعْفَرَ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدِ المَهْدِيِّ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُورِ، هُوَ الخَلِيفَةُ العَبَّاسِيُّ الخَامِسُ. وُلِدَ فِي مَدِينَةِ الرَّيِّ عَامَ ١٤٩هـ/٧٦٦م، 

وَتُوُفِّيَ 

فِي مَدِينَةِ طُوسَ (مَشْهَدُ اليَوْمِ) عَامَ ١٩٣هـ.

تَوَلِّيهِ الخِلَافةَ




بُويِعَ بِالخِلَافَةِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا أَخُوهُ مُوسَى الهَادِي عَامَ ١٧٠هـ، وَكَان عُمْرُهُ آَذَاكَ ٢٢ سَنَةً. وَأُمُّهُ هِيَ الخَيْزُرانُ.

مَكَانَتُهُ التَّارِيخِيَّةُ

يُعَدُّ هارونُ الرَّشِيدُ مِنْ أَشْهَرِ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّين وَأَكْثَرِهِمْ ذِكْرًا، حَتَّى فِي المَصَادِرِ الأجْنَبِيَّةِ، مِثْل الحَوْلِيَّاتِ الأَلْمَانِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَتْهُ بِاسْمِ. 

"آرون"، وَالحَوْلِيَّاتِ الهِنْدِيَّةِ وَالصِّينِيَّةِ الَّتِي أَطْلَقَتْ عَلَيْهِ اسْمَ "أَلُون". أَمَّا المَصَادِرُ العَرَبِيَّةُ، فَقَدْ أَفَاضَتْ فِي الحَدِيثِ عَنْهُ، وَامْتَزَجَتْ 

أَخْبَارُهُ بَيْنَ الحَقِيقَةِ وَالخَيَالِ، خاصَّةً فِي "أَلْفِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٍ"، الَّتِي صَوَرَّتْهُ. بِالخَلِيفَةِ المُسْرِفِ فِي التَّرَفِ وَالمَلَذَّاتِ.

حَقِيقَةُ هَارُونَ الرَّشِيدِ




في الوَاقِعِ، كَان هَارُونُ الرَّشِيدُ مِنْ خِيَرَةِ الخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّين، فَقَدْ كَانَ يَحُجُّ عَامًا وَيَغْزُو عَامًا، وَيُصَلِّي يَوْمِيزِ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَكَان مُحِبًّا. 

لِلْعُلَمَاءِ، مُعَظِّمًا لِحُرُمَاتِ الدِّينِ، مُبْغِضًا لِلْجِدَالِ، كَثِيرَ البُكَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ المَوْعِظَةِ.

إِنْجازاتُهُ فِي الحُكْمِ

شهِدَتْ فَتْرَةُ حُكْمِهِ فُتُوحاتٍ وَاسِعَةً، وَاسْتَبَّ الأَمْنُ، وَازْدَهَرَتْ الدَّوْلَةُ، حَتَّى أَصْبَحَتْ بَغْدَادُ مَرْكَزًا لِلْمَعْرِفَةِ وَالثَّقَافةِ والتِّجَاراة. كَمَا أَسَّسَ 

"بَيْتَ الحِكْمَةِ"، الَّذِي كَانَ مَنَارَةً لِلْعُلُومِ وَالمَعْرِفَةِ.

وفاتُه

عِنْدَمَا كَان هَارُونُ الرَّشِيدُ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ، قَال لِمَنْ حَوْلَهُ: "أُرِيدُ أَنْ أَرَى قَبْرِي الَّذِي سَأُدْفَنُ فِيهِ". وَعِنْدَمَا نَظَرَ إِلَى القَبْرِ، بَكَى، ثُمَّ تَلَا 

قَوْلَهُ تَعَالَى:

{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}.

ثُم رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّماءِ وَبَكَى، وَتُوُفِّيَ أَثْنَاءَ غَزْوِهِ لِلرُّومِ عَامَ ١٩٣هـ، عَنْ عُمْرٍ يَنَاهِزُ ٤٥ سَنَةً.

الخاتمة

أَمَّا مَا قِيلَ عَنْهُ مِنْ لَهْوٍ وَمُجُونٍ وَشَرَابٍ، فَمُعْظَمُهُ مِنَ الدَّسَائِسِ الَّتِي رَوَّجَ لَهَا المُغْرِضُونَ، وَنَقَلَهَا بَعْضُ المُؤَرِّخِينَ دُونَ تَمْحِيصٍ. رحِمَ 

اللَّهُ هَارُونَ الرَّشِيدَ، وَجَزَاهُ عَنِ الإِسْلَامِ خَيْر الْجَزَاءِ.

تعليقات